زار منسق الأمم المتحدة في لبنان السفير يان كوبيتش، قبل ظهر اليوم، نقابة محرري الصحافة اللبنانية وإلتقى النقيب جوزف القصيفي وأعضاء مجلس النقابة بحضور رئيس نادي الصحافة الزميل بسّام أبو زيد وصحافيين وإعلاميين ،وجرى حوار حول الوضع في لبنان والمنطقة ودور الأمم المتحدة والمنظمات الأممية في مساعدة لبنان على تجاوز أزماتها.
إستهل النقيب القصيفي اللقاء بكلمة ترحيب وإستفهامات جاء فيها:
سعادة السفير نرحب بكم في دار نقابة المحررين، مرددين العبارة اللبنانية التقليدية : أهلاً وسهلاً.
ما بين لبنان والأمم المتحدة حكاية طويلة ترقى الى زمن البدايات وطن الأرز الحديث العهد بالإستقلال كان من البارزين الذين واكبوا ولادة الهيئة في سان فرنسيسكو في الرابع والعشرين من تشرين الاول 1945 عبر واحد من رجالاته الكبار الدكتور شارل مالك الذي عهد إليه في العام 1948 كتابة ديباجة "الإعلان العالمي لحقوق الانسان" منفرداً، عدا رئاسته للجنة الثالثة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية أثناء درس الإعلان، وعندما توفيت إليونور روزفلت في العام 1951 حلّ مكانها في رئاسة اللجنة، كما ترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1958.
لن نعدّد القرارات الدولية الصادرة حول لبنان وشرح اسبابها والظروف التي أحاطت بها. اليوم هناك قرار أممي رقمه 1701 يتشارك في تطبيقه قوات الطوارئ في الجنوب والجيش اللبناني، وهو حتى الساعة ضمان الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة المتاخمة لفلسطين المحتلة. لكن هذا القرار لا يحترم من جانب اسرائيل التي تنتهكه برّاً، وبحّراً وجوّاً من دون أن تتمكن هذه القوات من ردعها، وهي تكتفي بتسجيل الخروقات والقيام بدور الوسيط أحياناً. لكن ذلك لا يثني لبنان عن تأكيد تعلقه بالشرعية الدولية والتعاون معها.
صاحب السعادة
نراقب باهتمام الديناميّة التي تسيّر تحرككم في لبنان كمنسق لأنشطة الأمم المتحدة، ونتابع تصريحاتكم وتعليقاتكم، وهي مثيرة للإهتمام، وفي بعض الأحيان تغوص في دقائق الوضع الداخلي وتفصيلاته. واذ لا نشك في رغبتكم بمساعدة لبنان على الخروج من معاناته، فإننا نسأل:
- هل تكتفي الامم المتحدة بدور المراقب حيال الضغوط الدولية القائمة لترسيم الحدود البرية والبحرية بما ينسجم مع مصلحة إسرائيل على حساب حقوق لبنان المثّبتة، تاريخيّاً، جغرافيّاً، وعلمّياً، وإلى أيّ مدى تستطيع الهيئة الأممية التحرّر من هذه الضغوط، وتنتصر لحقوق الدول والشعوب وفقاً لمنطوق ميثاقها؟
- هل أن الغوص في تفاصيل الشأن اللبناني على النحو الذي نشهد بين الحين والآخر يعكس سياسة الأمم المتحدة، وهل أن الاخيرة جادة في مساعدة لبنان عبر هيئاتها المتعدّدة، وهل أن المنظمات غير الحكومية التي تعمل بتحريك منها تطبق قواعد الشفافية وتؤدي أدواراً مستقلة عن التأثيرات السياسية؟
- وماذا عن النازحين السوريين التي لا تقوم بأي جهد لإعادتهم إلى بلادهم، ملقيّة ما يشكّلون من أعباء على كاهل لبنان الذي لا يحصل على مساعدات تعوّض على أبنائه بعض ما تكبدوه من خسائر جرّاء هذا النزوح.
سعادة السفير
نرحب بكم مجدداً، ولا نشك في محبتكم للبنان، ولكن من حقنا أن نتساءل:
ماذا يطبق من ميثاق الأمم المتحدة اليوم، وأين هو أداء هذه الهيئة الأممّية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟
هل أصبحت مجرّد شاهد على الانتهاكات التي ترتكب بحق الانسانية والحرية بإسم الحريّة والإنسانية، من دون أن تقوى على الكلام، عملاً بقاعدة: حجة الأقوى هي الأفضل؟ هل نحن بحاجة الى "نيو أمم متحدة" بعد كل الذي حصل؟.
كوبيتش
وردّ السفير كوبيتش بكلمة جاء فيها: إنها الفرصة الأولى التي ألتقي مع أعضاء نقابة محرّري الصحافة اللبنانيّة، خصوصًا أن الإعلام يواجه تحديّات في هذه الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان، آملًا أن أحصل منكم على معلومات حول التحديّات.
من مواقعي السابقة التي شغلتها في الإمم المتحدة، تعلمت أن أقدر الدور الذي يلعبه الإعلام والدور الذي يلعبه الإعلاميون ليوصلوا الصورة وأنا حريص أن تبقى حقوقهم محفوظة ليستمرّوا في إيصال الصورة بشكل شفاف بعيد عن أي ضغط سياسي أو أي تهديد شخصّي أو قانوني يمكن ان يتعرّضوا له، خصوصًا في بلد كلبنان وفي هذه المرحلة الصعبة.
واضاف:" انا سعيد أن الإعلام في لبنان استطاع ومنذ بداية الأحداث ولغاية اليوم ان يلعب دورًا ويشارك في التغيير الذي حصل في البلد وأنا حريص أن تبقى حقوق الإعلام والإعلاميين محفوظة لكي يستمرّوا في إيصال الصورة. وأنا حريص على ألا يبقى دور الإعلام متوّقف على التغطية المباشرة للأحداث، بل على تسليط الضوء على أية خروقات لحقوق الصحافيين او لحرية التعبير. وأنا كنت حريصًا كذلك، من خلال لقاءاتي مع المرجعيات السياسية على ان تبقى حقوق الإعلاميين محفوظة".
وتابع:" أتمنى ان تعلموا أنني جرّبت تسليط الضوء على هذه التحدّيات وأن دور الأمم المتحدة في لبنان لا يقتصر على المراقبة بل انهم يحاولون أن يلعبوا دورًا بارزًا وفعالًا ليساهموا في دفع الأمور نحو الأحسن من دون أن يشكّل هذا الأمر اي تدخل في السياسة الداخلية للبنان أو أي تدخل في أية نقطة حسّاسة بالنسبة لسيادة لبنان. والمعروف ان لبنان عضو فاعل في تأسيس عدد كبير من المؤسسات الدولية العالمية، بما فيها الأمم المتحدة وبناء على هذا الأمر هو ملتزم ولا يخالف القوانين والمعايير الدولية، وهنا يتوقف دور الأمم المتحدة على ان تسلط الضوء سواء التزم لبنان بهذه المعايير او لم يلتزم. وبالطبع من دون ان يشكّل هذا الأمر اي تدخل بالسياسة الداخلية للبلد، وهذا لا يقتصر فقط على لبنان بل على كل دول العالم".
واضاف:" ومن أهم الإنجازات التي تمكنت الأمم المتحدة من تحقيقها في لبنان، هي من خلال قوّاتها العاملة في الجنوب اللبناني او اليونيفيل والذين ساهموا بالحفاظ على الإستقرار وعلى الهدوء في الجنوب. وأشاد بهذا الأمر مسؤولون لبنانيون وإسرائيليون. وهذا يتعلق بالقرارات الدولية من الأمم المتحدة وأنه على الجهتين اللبنانية والإسرائيلية ان تلتزم بها.
وقال:" وليس دوري أن أقيّم دور قوات اليونيفيل العاملة في الجنوب، بل هذا الأمر تابع لمجلس الأمن للأمم المتحدة وأدعوكم ان تتطلعوا أكثر على هذا الموضوع وأن تتوجّهوا الى تقارير صادرة عن مجلس الأمن وعن الأمين العام للأمم المتحدة بما فيها التقرير الأخير، الذي يحمل رقم 2485. وهذه التقارير تقدّم معلومات مفصّلة عن الخروقات التي تحدث وعن مدى التزام الأطراف بلبنان وإسرائيل بتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن. كما أن كلّ الوكالات التابعة للأمم المتحّدة تلعب دورًا بارزًا، خصوصًا على الصعيد الإنساني. وكلّ الذي يتعلق بمساعدة اللاجئين ولاسيما في ظلّ التحديّات التي يواجهها البلد".
وشدّد على " أن دور الأمم المتحّدة في هذه الفترة، خصوصًا خلال الشهرين الماضيين، لم يقتصر فقط، على متابعة برامجها كما هي، بل كثّفت المساعدات كما كثّفت برامجها وهي تلعب دورًا هامًا في التواصل مع المجتمع الدولي لتأمين القدر اللازم من المساعدات لدعم لبنان في ظلّ هذه الظروف. كما أود الإشارة أن الأمم المتحّدة لا تمثّل المجتمع الدولي كلّه، بل هي جزء منه. وهي تبقى ملتزمة بمبادئها وبمبادىء القانون الدولي الإنساني. ولهذا ستعمل دائما لتامين مساعدات قدر الإمكان ولاسيما المساعدات الإنسانية للاجئين وليس فقط، اللاجئين السوريين بل ايضا، الفلسطينيين. وأن الأمم المتحدة ملتزمة بحق العودة للفلسطينيين وهذا ما أكد عليه الأمين العام للامم المتحدة في بياناته الأخيرة وهي مفصلة تمامًا ويجب الإطلاع عليها، لأنها توضّح صورة الأمم المتحدة ومقاربتها للموضوع".
وأكد أنه " لكي تتمكن الأمم الممتحدة من لعب دورها في لبنان بفعالية أكثر، بحاجة الى حكومة يمكّنها أن تعمل معها. والأمم المتحدة لا تدعم نوع حكومة معين او حكومة على اخرى، بل هي تريد حكومة تعمل باسم الشعب اللبناني. وأشدد في هذا الإطار على أنه على الحكومة أن تستمع الى مطالب الشعب وأن تضع خارطة طريق واضحة لكي تتمكن من معالجة الأزمات الإقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة وهذا الذي طلبته الامم المتحدة منذ اليوم الاول للتظاهرات".
وردًا على سؤال حول قال: أن الأمم المتحدة عدة جهات وليست مقتصرة على شخص. وأن والأمم المتحدة بجهاتها المتعددة على تواصل دائم مع المراجع اللبنانيّة السياسيّة ومع إخصائيين كذلك مع المعتصمين. والمواقف التي تصدر عن الأمم المتحدة ينطلق من الدور التي تمثّله.
وردًا على سؤال حول رأيه عن إقفال الصحف والمجلات اللبنانيّة وسبل دعم الصحافة اللبنانيّة وصمودها من قبل الأمم المتحدة، قال: الأم المتحدة غير سعيدة بأن ترى عدة وسائل إعلاميّة في لبنان تقفل أبوابها وتتوقف عن الصدور أو العمل، خصوصًا في بلد مثل لبنان الذي لعب ويلعب دورًا كبيرًا في مجال الصحافة. منظمة المم المتحدة ليس لديها الإماكانات المناسبة لتدعم الصحافة والإعلام في لبنان. بإمكاني التحدّث إلى السفراء والدبلوماسيين الموجودين في لبنان، لتقوم بلادهم في الدعم المطلوب.
وردًا على سؤال حول دور الأمم المتحدة في حماية الصحافيين والإعلاميين في لبنان، قال: الأمم المتحدة تراقب ما يحصل في لبنان ومن خلال الإعلام وأدعوكم لأن تتوجهوا إلى الأمم المتحدة لإطلاعها على الإعتداءات التي يتعرض إليها الصحافيّون والإعلاميّون في لبنان، ليكون دورهم فعّالًا أكثر. وفي لبنان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمنسق السيد فيليب لازاريني وأنا، أيضًا مستعد للمساعدة مع العلم أن عليكم أنتم تسليط الضوء حول الإعتداءات التي تتعرّضون لها كإعلاميين.
وردًا على سؤال حول شروط الأمم المتحدة لمساعدة لبنان في هذه المرحلة التي يمرّ بها، قال: الإصلاحات ، ثمّ الإصلاحات، ثمّ الإصلاحات. لا يمكنني التحدّث بشكل رسمي قبل أن تأخذ الحكومة اللبنانيّة الجديدة الثقة من المجلس النيابي. ولكن أدعوكم للإطلاع على الإصلاحات التي دعت مجموعة الدعم الدوليّة للبنان، لبنان للإلتزام به والعمل على تحقيقها. والمتظاهرون يعبّرون عن الإصلاحات المطلوبة للبنان، كالكهرباء مثلًا. وأيّة إصلاحات جدّيّة يجب أن تترافق مع خطة عمل واضحة ضمن مهلة زمنيّة محددة وواضحة، أيضًا. هذا هو الشرط الأساسي الذي وضعه المجتمع الدولي لدعم لبنان. إذا لم يدعم لبنان نفسه، عليه ألا ينتظر دعمًا من المجتمع الدولي.
وعن تطوير دور الأمم المتحّدة في مساعدة الدول والشعوب، إقتصاديًا، قال: ليس لدى الأمم المتحدة القوة أو القدرة الكافيّة لتحقيق كل ما يُطلب منها، خصوصًا، لناحيّة الحروب، ولكن لا بدّ لي من القول أن لولا وجود منظمة الأمم المتحدة لكان العالم أسوأ مما هو عليه اليوم.
وردًا على سؤال حول صفقة القرن وخطة السلام الأميركيّة وحق الشعوب في تقرير مصيرها وموقف منها الأمم المتحّدة ودورها في حماية لبنان الذي سيكون متضرّرًا منها لاسيما من موضوع التوطين، قال: موقف الأمم المتحّدة حول هذا الموضوع وعبّر عنه الأمين العام للأمم المتحّدة والذي تتطرق بالأمس وخلال مؤتمر صحافي بشكل كبير حول هذا الموضوع وحول لبنان. الأمم المتحّدة ملتزمة بالدولتين وحقّ العودة.
وردًا على سؤال حول الإجماع اللبناني ضدّ التوطين والنزوح السوري، قال: الأمم المتحدة تعرف ومقتنعة أن لبنان يتحمل عبئًا كبيرًا بسبب النازحين السوريين وستبقى تساعد خصوصًا في ظلّ التحديّات والظروف التي يعيشها لبنان في هذه المرحلة. الأمم المتحدة ملتزمة بالعودة الآمنة والكريمة للنازحين إلى سوريّا. وهذا مبدأ أساسي للأمم المتحدة لا تتخلّى عنه. وستعمل المنظمة جاهدة لتسريع عودة النازحين السوريين إلى وطنهم، من خلال نطاق عملهم مع الدولة السوريّة.